العاصفة قادمة، كان صاحب المطعم البحري على شاطئ الرمل الأسود على حق. إلتقيت بالسيد ڤلاديمير و الأنيقة زوجته على وجبة الغداء وسعدت بلقائهما حيث تبادلنا الحديث عن كل ما تتشارك به دول البحر الأبيض المتوسط من أصناف الأكل ومسميات بعضها مثل البسطرمة (اللحم المقدد)، الدولما (ورق العنب) والبقلاوة (صنف من الحلويات). كما أشار لعاداتهم واختلافها عن عاداتنا نحن العرب!
سألني عن الأيام التي قضيتها بالمنطقة وعن تجربتي للأماكن السياحية وبعض النشاطات التي استمتعت بها خلال إقامتي في كاليدرا وهي المنطقة التي تكونت بعد انفجار بركاني مُشكلةً أرضاً أو بالأحرى جزيرة كونها بعرض البحر.
فأجبته عن رحلتي لأجزاء عديدة من الجزيرة وبِنيّتي بالإبحار حيث تكون فوهة البركان الواقعة تحت سطح الماء. وخلال ذلك كان صاحب المطعم البحري على شاطئ الرمل الأسود يستمع لحديثنا بانتباه مُتبسماً حيث أظهرت ابتسامته لنا إحساساً بأنه على الأرجح لم يكن مصغياً للحديث بقدر ما يمكن ان يعتبر ترحيباً بالزبائن. (لا أعلم، فأنا منهمك في تناول طبق الأخطبوط الرائع وحساء السمك اللذيذ)
قدّمت لي زوجة صديقي ڤلاديمير بعض النصائح وزودتني ببعض الأماكن اللتي يجدر بي زيارتها اذا أسعفني الوقت. واستوقفتني هذه الكلمات؛ اذا أسعفك الوقت! وراوتدني عندها هذه التساؤلات: ما الذي يجعلنا خلال السفر ننجز أكثر وفي وقت وجيز مقارنةً بالأيام التي نعيشها في حياتنا اليومية ؟ أليست حياتنا اليومية هي بالأساس رحلة سفر ؟ هل السبب هو المكان و رغبتنا بالاستكشاف ؟ أم أننا بالفعل نسينا كيفية التمتع بأيامنا حيث نعيش واعتدنا السماح للكسل بسرقة أثمن ما نملك ؟
لذلك وبعد انتهائي من وجبة الغداء والمحادثة اللطيفة التي دارت بيننا. وبعد أن شكرت صاحب المطعم على نصيحته لي بأن انتبه من العاصفة القادمة الليلة من جهة الجنوب. قضيت بعض الوقت أتمشى على شاطئ الرمل الأسود، وأفكر بالتساؤلات التي سافرت بي لبلدتي الصغيرة وثقافتي الفقيرة باحثاً عن إجابات، مسترجعاً أحداث حياتي اليومية وصعوبة الإنجازات في ما تبدو عليه هذه الحياة.
كان صاحب المطعم البحري على شاطئ الرمل الأسود على حق فعاصفة الأفكار شغلت عقلي ولم أدرك أن الشمس الذهبية تغرب، وأن اليوم شارف على الانتهاء وحان وقت وجبة العشاء. لم أجد للعشاء مكاناً في معدتي فاتجهت عائداً لغرفتي مقرراً في نفسي أن أجد إجابات لتلك التساؤلات.
على الرغم من انتظاري لانتهاء العاصفة طوال تلك الليلة، إلا أنني استمتعت باستغراقي بالتفكير وبشرب شاي البابونج الذي أصبحت مهتماً به قبل ذهابي للفراش كما نصحني به ذلك العجوز الإيطالي في محطة الوقود بمنطقة تدعى سانتا مونيكا العام الماضي، حيث يساعد على تهدئه الجسم ودخوله في مرحلة الاستعداد للنوم، كما ينام الطفل بعد وجبة حليب دافئ بين دفئ ذراعي والدته.
أشرقت مع صبوح الشمس... أقصد أصبحت مع شروق الشمس، متجها لمنطقة فيرا لارتشاف قهوة الصباح بالمقهى الذي يقع بوسطها لأنني ولسببٍ ما، أتجه له كل صباح منذ وصولي للجزيرة. يرجع السبب في ذلك ليس فقط لارتشاف القهوة ولكن لجولتي الصباحية على ظهر الحمار. جولة الركوب على ظهر الحمار كانت المتعة التي تصاحبها فكاهة من ناحية وابتسامة صباحية من جميع الناس الذين أصادفهم بطريقي للمقهى من ناحية أخرى. فهكذا اعدت أن أستهل يومي.

No comments:
Post a Comment